قصائد مختارة للشاعر

من ديوان
لَنْ يَعِيشَ حَياتي سِواي
 (1995 – 1997)

يَوْمًا ما
لا أعْرِفُهُم
لَمْ أنْهَضْ مَعَهُم قَبْلَ صِياحِ الشَّمْسْ
لَمْ أسْهَرْ مَعَهُم قَبْلَ رَحِيلِ اللَّيْلِ عَنِ القَرْيَهْ
لَمْ أنْزِفْ مِنْ دَمِهِمْ تَحْتَ خُيُولِ البِيضْ
إِلّا دَمْعَةَ أُمّي
لَمْ أَعْرِفْ مِنْ دِفْءِ خُطاهُم
إِلّا طِيبَةَ أُمِّي
لَمْ أَعْرِفْ مِنْ غَدِهِمْ
إِلّا آثارًا تَمْتَدُّ أَمامي
كَيْ أخْطُو، فاغِرَةً قَلْبِي
دَمْعًا..
....
يَوْمًا ما
فِي مَقْبَرَةِ القَرْيَةِ
لَنْ يَعْرِفَنِي
أَحَدٌ
مِنْهُمْ!




لا عَجَب
فِي المَساءِ
سَنَرْتاحُ دُونَ تَعَبْ
مِثْلَ مَوْجٍ عَلى غَيْمَةٍ
لا عَجَبْ
لا عَجَبْ

في المَساءِ سَنَلْهَثُ حَتّى الوُصُولِ إِلى الْبَيْتِ
مِنْ سَاحَةِ القَرْيَةِ. الخُبْزُ فِي الكِيسِ،
وَالْخُضْرُ نَقْطفُها بِالنُّقُودِ عَنِ الشَّجَرِ المَعْدَنِيِّ
لِنَزْرَعَها في حَدِيقَةِ ثَلّاجَةٍ
في المَساءِ سَنَلْهَثُ بَعْدَ قَلِيلٍ
مِنَ الرِّيحِ. نَحْتاجُ مَرْكَبَةً
كَيْ نُعَالِجَ هذا اللُّهاثْ
لا نَهِيقًا. نُضِيءُ المَصابِيحَ دُونَ زِنادْ
لا نُفَتِّشُ في عُلْبَةِ التِّلِفِزْيُونِ
عَنْ أَحَدٍ. وَنُصَدِّقُ أَنَّ الرَّئِيسَ الأمِيرْكِيَّ
يَخْطُبُ في بَيْتِهِ إذْ نَراهُ هُنا الآنَ في بَيْتِنا.
لا نَقُولُ: الْقِيامَةُ أوْ آخِرُ الأزْمِنَهْ
سَنُفَتِّشُ عَنْ أَيِّ فِيلْمٍ تُمَثِّلُ فِيهِ الجَمِيلاتُ
دُونَ كَثِيرٍ مِنَ الغَيْمِ يَكْسُو القَمَرْ
فَالْغُيُومُ لِزَوْجاتِنا،
لَنْ يَرِدْنَ إلى الْحَقْلِ بَعْدُ لِشَنْقِ الْحَطَبْ
في مَطَابِخِهِنَّ غُصُونُ هَوَاءٍ بِدُونِ شَجَرْ
وَلَهَبْ
دُونَما حاجَةٍ لِحَجَرْ
لا عَجَبْ
.. في المَساءِ سَنَلْهَثُ حَتّى الوُصُولِ إِلى الْبَيْتِ،
لَنْ يَتَطايَرَ رُوحُ التُّرابِ الدَّفِينِ
وَلَوْ رَكَضَتْ خَيْلُ أجْدَادِنا فَوْقَ هذي الشَّوارِعِ
لَنْ يَتَطايَرَ رُوحُ التُّرابْ
لَنْ نُصِيخَ القُلُوبَ لِنَسْمَعَ أَنَّاتِ أعْشَابِهِم
تَحْتَ إسْفِلْتِ أعْشابِنا
في الْمَساءِ سَنَلْهَثُ أكْثَرَ مِنْ خَضِّ أَقْلامِنا
دُونَ حِبْرٍ عَلى أرْضِنا. لَنْ نَعُودَ
مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ الحَصادِ..
سَنَرْتاحُ دُونَ تَعَبْ
مِثْلَ مَوْجٍ عَلى غَيْمَةٍ
لا عَجَبْ
لا عَجَبْ




حَيْفا وَالْبَحْر

حَيْفَا لا تَعْرِفُ أنَّ الْبَحْرَ
يُحَاوِلُ أنْ يَرْفَعَ فَخْذَيْها
لكِنْ.. أَسْوارُ الشَّاطِئِ عَالِيَةٌ
لَيْسَ الشَّاطِئُ فُسْتَانًا تَخْلَعُهُ حَيْفا
لَيْسَ الشّاطِئُ بَابًا يَفْتَحُهُ البَحْرُ..
سَتُونِعُ أَثْمَارُ الضّوءِ عَلى أَشْجَارِكِ يَا حَيْفا
فِي اللَّيْلِ. عَلى أشْجارِ الطُّوبِ.
وَتَسْقُطُ عَنْهَا أوْراقُ النَّاسِ
صَباحًا. لَنْ تُزْعِجَ أَحَدًا ثَرْثَرَةُ السَّيّارَاتْ
لَنْ تُزْعِجَ أَحَدًا يُطْفِئُ سِيجارَتَهُ
كَيْ يُشْعِلَ أُخْرَى بَعْدَ قَلِيلٍ
مِنْ غَضَبِ البَحْرِ:
هُنَا تَرَكَ النَّاسُ بَقايا أكْلٍ لِلْبَحْرِ
نِفاياتٍ. نَفْطًا. ماءً. أَعْقابَ
سَجائِرَ. غَرْقَى. رائِحَةَ
حَرِيقٍ. لكِنْ
حَيْفا لا تَعْرِفُ
ذلِك!


شارِعٌ واحِدٌ
كُلُّ شَيْءٍ كَما يَنْبَغِي أَنْ يَكُونْ
سَوْفَ نُولَدُ كَيْلا نُبَدِّلَ شَيْئًا. هُنا
كُلُّ شَيْءٍ عَلى حالِهِ.. لا نُبَدِّلُ إلّا الثِّيَابْ
في الطَّرِيقِ القَلِيلِ إِلى الْآخِرَهْ
لا بَقاءَ هُنا. لا بَقاءَ لَنا
في الفَناءِ. لِذلِكَ نَجْمَعُ آثَارَنا
عَثْرَةً عَثْرَةً.. رَغْبَةً في الثَّوابْ
كُلُّ شَيْءٍ عَلى حَالِهِ: مُؤْمِنٌ أَنْتَ أو كافِرٌ.
لا نُتِيحُ لِأَمْواجِنَا أَنْ يَهُبَّ عَلَيْها التُّرابْ
كُلُّ شَيْءٍ كَما يَنْبَغِي أَنْ يَكُونْ
هَا هُنا: شارِعٌ واحِدٌ
شَارِعٌ يَنْتَهِي عِنْدَ مَقْبَرَةٍ
شارِعٌ لِلْجَنازَةِ
هذا الصِّرَاطُ الوَحِيد



نارُ القَبِيلَة
لَنْ يَعِيشَ حَيَاتِي سِوايْ
سَأُصَارِحُ هذا الطَّرِيقْ
بِخُطايْ

لَنْ أُصَافِحَ نارَ القَبِيلَةِ مِثْلَ الغَرِيقْ
لِي زَمَاني هُنا في الزَّمانِ. لِماذا تُشَكِّلُني النَّارُ
مِثْلَ الحَدِيدِ وَتَسْتَلُّنِي مِثْلَ سَيْفٍ عَتِيقْ؟
وَلِماذا يُلاحِقُ رِجْلَيَّ هذا الطَّرِيق؟
.. لي طَرِيقٌ سِواكَ. ابْتَعِدْ عَنْ طَرِيقي
لِتَمْشِي عَلَيْهِ يَدايْ

لَنْ يَعِيشَ حَياتي سِوايْ

شاعِر
.. يَشْرَبُ في المَقْهَى قَهْوَةَ بَعْدَ الظُّهْرِ
لِيَسْتَيْقِظَ أَكْثَرَ. ما أَهْدَأَ ضَجَّةَ حَيْفا!
تَعْبُرُ قُرْبَ النَّافِذَةِ امْرَأَةٌ مُسْرِعَةٌ
(عاشِقُها يَنْظُرُ في ساعَتِهِ)
وَيَمُرُّ عَجُوزٌ
(خَلْفَ خُطاهُ حَفِيفٌ مَحْرُوقٌ)
.. سَيَمُرُّ أَمامَ المَقْهى
أَشْخاصٌ لا يَعْرِفُهُم
أَشْخاصٌ كُثْرٌ سَيَمُرُّونَ
أَمامَ المَقْهَى
لكِنْ.. كَمْ شَخْصًا
يَكْتُبُ بَيْنَ الْأَقْواس؟






من ديوان



ألمَكانُ يُغادِرُنا كَالْغُيُوم

 (1997 – 2000)


مقاطع من أغاني شهيد كفرقاسم

كُنْتُ أَقْتُلُهُم بِعُيُوني
(1)
لَمْ أَمُتْ
.. زَرَعُوا نَجْمَتي في التُّرابِ
وَهذِي يَدي
في جُذُوعِ الشَّجَرْ
وَعُيُوني عَلَيْهَا ثَمَرْ
وَدِمائي مَطَرْ

(2)
قاتِلي مَاتَ
.. هَلْ ماتَ أَمْ لَمْ يَمُتْ
عِنْدَما سالَ مِنْ جَسَدي دَمُهُ
طَعْنَةً طَعْنَةً؟
.. ماتَ أَمْ لَمْ يَمُتْ
عِنْدَما ذَرَفَتْ زَوْجَتِي قَلْبَهُ كُلَّهُ
دَمْعَةً دَمْعَةً؟
.. ماتَ أَمْ لَمْ يَمُتْ
عِنْدَما زُرْتُ أَحْلامَهُ
لَيْلَةً لَيْلَةً؟
.. قاتِلي ماتَ
لكِنَّني لَمْ أَمُتْ
أَبَدًا
لَمْ أَمُتْ

(3)
عِنْدَما عُدْتُ مِنْ غَيْبَتي
لَمْ أَجِدْ ها هُنا جَسَدي

.. عِنْدَما عُدْتُ مِنْ غَيْبَتي
وَرَأَيْتُ هُنا وَلَدِي
واقِفًا فَوْقَ ظِلِّي القَتِيلِ
وَفِي كَفِّهِ قَبْضَتِي
وَعَلى ظَهْرِهِ
لَمْ تَزَلْ صَخْرَتِي
قالَ لي: يا أَبي
جَنَّةُ الخُلْدِ في بَلَدِي!

(4)
كُنْتُ في ذلِكَ الْيَوْمِ
يَقْتُلُني الشَّوْقُ يا وَرْدَتي
كَيْ أَعُودَ إِلى حضْنِ لَيْلِكِ
لكِنَّهُمْ قَتَلُوني
.. عِنْدَ مَدْخَلِ قَرْيَتِنا انْتَظَرُوني
لَمْ أَكُنْ حَجَلًا كَيْ أَخافَ الرَّصاصَ
وَلا ظبْيَةً في الفَلاةِ
.. لِماذا إِذًا قَتَلُوني؟
لَمْ أَكُنْ داخِلًا غَيْر بَيْتي الحَزِينِ
كَما يَدْخُلُونَ مَنازِلَهُم
عائِدِينَ مِنَ الشُّغْلِ..
هَلْ شُغْلُهُمْ
كانَ
أَنْ يَقْتُلُوني؟
.. كُنتُ في ذلِكَ اليَوْمِ
أَقْتُلُهُمْ بِعُيُونِي!






من ديوان

أُخْرُجُوا مِنْ سَنامِي الثَّقيل

 (2000 – 2001)





طالَ عَيْشُكَ يا مَوْت!

إِهْدَئِي يا سَماءُ قَليلًا

لِنَخْرُجَ في نُزْهَةٍ

أَوْ لِيَدْخُلَ بَعْضُ الهَواءْ

.. أَلدُّخانُ الَّذي يَتَهَيَّأُ كَالغَيْمِ

هَلْ فِيهِ ماءْ؟

هَلْ نُسَمِّي أَزِيزَ المَدافِعِ

رَعْدًا؟ وَنارَ المَدِينَةِ بَرْقًا؟

إِذًا لَيْسَ مِنْ مَطَرٍ

غَيْر وَرْدِ الدِّماءْ



إِهْدَئِي يا سَماءْ

.. كَمْ أَريحا سَيُحْرِقُها يُوشَعٌ

في أَريحا؟

وَكَمْ مَرَّةً سَنَقُولُ: الحَرِيقُ ضِياءْ؟

وَالقُبُورُ أَسِرَّةُ أَطْفالِنا الشُّهَداءْ؟

هَلْ مَضَى ما مَضَى تَحْتَ لَيْلِكِ

أَمْ أَنَّنا لَمْ نَكُنْ

غَيْرَ ما خَطَّهُ كاهِنٌ بابِلِيٌّ

تَخَيَّلَ هذا الهَباءْ؟

هَلْ تُشَرِّدُنا كَلِماتُ "العَبيرُو" القَدِيمَةُ

تَمْسَحُنا كَالْغُبارِ

وَتَزْعُمُ أَنَّ المَدائِنَ أَرْضٌ عَراءْ؟

.. يَتُها الكَلِماتُ اللَّعِينَةُ

لَيْسَتْ دِمائِي دَواةً لِكاهِنِكِ المَيْتِ

كُونِي غُصُونًا بِلا شَجَرٍ

وَايْبَسِي في الخَلَاءْ!



إِهْدَئِي يا سَماءُ قَلِيلا

تَحْتَ شَمْسِكِ ما يَسْتَحِقُّ

انْتِظارَ التُّرابِ طَوِيلا

لَكِ مِنَّا البُخَارُ

وَلكِنْ دَعِينا نَمُوجُ قَلِيلا

لَكِ مِنَّا اصْفِرارُ الوُجُوهِ

وَلكِنْ دَعِينا

لِنَخْضَرَّ فَوْقَ الغُصُونِ قَليلا

لَكِ نَحْنُ.. اهْدَئِي يا سَماءُ قَلِيلا!



.. آنَ يا مَوْتُ

أَنْ تَتَرَجَّلَ عَنْ سَرْجِ أَكْتافِنا!

كُلَّ فَجْرٍ نُشَيِّعُ صُبْحًا إِلَيْكَ

وَنَقْطفُ أَثْمارَنا فَجَّةً

طَالَ يا مَوْتُ ظِلُّكَ فَوْقَ مَصابيحِنا

فَلْتَدَعْنا نَعِشْ عُمْرَنا كَامِلًا

ثُمَّ قَدْ نَتَمَنَّاكَ حُفْرَةَ نُورْ



طَالَ عَيْشُكَ يا مَوْتُ

في أَرْضِنا. طالَ نابُكَ

أَكْثَرَ مِمَّا عَلى عَظْمِنا مِنْ لُحُومٍ

وَطالَ سَرابُكَ

قُلْ إِنَّكَ الغَيْثُ

لا نَسْتَغِثْ

قُلْ لَنا لِنُصَدِّقَ أَنَّ البُذُورْ

بَعْثُها دَفْنُها

قُلْ لَنا.. وَانْبَعِثْ

قَمَرًا في القُبُورْ

قُلْ لَنا نَجْمَةً في سَوادِكَ

حَتَّى نَظَلَّ نُزَغْرِدُ في زَفَّةِ الشُّهَداءِ

وَلا نَكْتَرِثْ!



طَالَ عَيْشُكَ يا مَوْتُ

في أَرْضِنا. هَلْ لَنا

كَالرَّصاصَةِ أَنْ نَتَنَزَّهَ في الحَقْلِ

دُونَ دَمٍ في الخُطى؟

هَلْ لَنا أَنْ نُطِلَّ عَلى شارِعٍ هادِئٍ؟

هَلْ لَنا أَنْ نُزَوِّجَ أَبْناءَنا قَبْلَ تَأْبِينِهِم؟

هَلْ لَنا أَنْ نَنامَ كَماءٍ زُلالٍ

وَنَنْهَضَ في جَدْوَلٍ دافِئٍ؟

هَلْ لَنا أَنْ نَموتَ على مَهْلِنا

آمِنِينَ

بِلا طَلْقَةٍ في الجَبِينْ؟

هَلْ لَنَا أَنْ نَسِيرَ وَلا نَتَلَفَّتَ

ذَاتَ الرَّصاصِ وَذاتَ الكَمِينْ؟

هَلْ لَنا أَنْ نُفَوِّتَ نَشْرَةَ أَخْبارِ

هذا الصَّباحْ؟

طَالَ عَيْشُكَ يا مَوْتُ

طَالَ نَعِيقُ السِّلاحْ!



سَنُسَمِّيكَ حَقْلًا وَنَحْفِرُ أَثْلامَنا

كُنْ رَفِيقًا بِنا

حِينَ نَبْذُرُ أَجْسامَنا

فِيكَ، يا مَوْتُ كُنْ

في المَنادِيلِ بَرْدًا..

كَفى! لا تَكُنْ

أَنْتَ أُمْنِيَةً

لا تَكُنْ أَنْتَ أَحْلامَنا!



إِهْدَئِي يا سَمَاءُ طَوِيلًا

كَأَحْزَانِنا بَعْدَ صَحْوِ الرَّحِيلِ

.. سَيَحْلُمُ جَدِّيَ بِالْفَجْرِ

دُونَ مَنَاقِيرَ تَعْزِفُ نَارَ العَوِيلِ:

يَقُومُ إِلى حَقْلِهِ

وَيُعِدُّ زِفَافَ عَرُوسَتِهِ الأَرْضِ

لِلْغَيْمِ قَبْلَ احْتِفَالِ الشِّتَاءْ

..أَيْنَ قَرْيَتُهُ؟

أَيْنَ غَيْمَتُهُ؟ أَيْنَ خُطْوَتُهُ؟

كَيْفَ يَنْهَالُ صَخْرٌ كَرَمْلٍ

وَتَنْهارُ شَمْسٌ كَرُمْشٍ

وَتَرْحَلُ أَرْضٌ كَغَيْمٍ

وَتَفْنَى سَماءْ؟

كَيْفَ تَخْلُو القُرى مِنْ عَصَافِيرِها فَجْأَةً

لا نِساءَ عَلَى العَيْنِ تَحْلِبْنَ ثَدْيَ الصُّخُورِ

وَلا صِبْيَةٌ يَلْعَبُونَ (هَلِ اخْتَبَأُوا مُنْذُ دَهْرٍ

وَظَلُّوا هُنا يَلْعَبُونَ) وَلا بَيْدَرٌ

لِتَدُورَ الحَياةُ. وَلا نِسْوَةٌ عائِدَاتٌ

بِصَيْدِ الحَطَبْ

لا رِجالٌ غَدَوْا ثُمَّ عادُوا

وَنامُوا مَعَ الشَّمْسِ، أَوْ سَهِرُوا كَالشُّهُبْ

لا حَمِيرٌ، وَلا ثَمَرٌ في السِّلَالِ

وَلَا فَرْحَةٌ بِالْغِلالِ

وَلا نَأْمَةٌ.. غَيْرَ نَوْحِ الرِّياحِ

فَيا لَلْعَجَبْ

كَيْفَ تَخْلُو القُرى مِنْ عَصَافيرِها فَجْأَةً؟

لا يُبَلِّلُ قَطْرُ النَّدَى

أَوْجُهَ النَّائِمينَ عَلى أَسْطُحٍ مِنْ خَشَبْ؟

هكَذا.. دُونَ أَيِّ سَبَبْ

وَتَحِطُّ الثِّمارُ عَلى أَرْضِها

وَحْدَها.. دُونَ أَيْدِي التَّعَبْ؟

هكذا.. دُونَ أَيِّ سَبَبْ

وَتَصِيرُ البُيُوتُ خِرَبْ؟

هكذا.. دُونَ أَيِّ سَبَبْ!



.. إِهْدَئِي يا سَماءُ

كَأَحْزانِنا

كَمْ أَريحا سَيُحْرِقُها يُوشَعٌ

فَوْقَ أَكْفانِنا؟

.. إهْدَئِي يا سَماءْ

كُلُّ أَرْضٍ حَلَلْنا بِها

هَزَّها يُوشَعٌ

وَأَراقَ تُرابَ النُّجُومِ

وَكُلُّ سَماءٍ حَلَلْنا بِها

رَجَّها يُوشَعٌ بِالدُّخانِ

.. اهْدَئِي يا سَماءْ

أَكَثِيرٌ عَلَيْنا

قَلِيلٌ مَنَ الحُزْنِ دُونَ بُكاءْ؟

أَكَثِيرٌ عَلَيْنا

قَلِيلٌ مِنَ المَوْتِ دُونَ فَناءْ؟

أَكَثِيرٌ عَلَيْنا البَقاءْ؟

أَكَثيرٌ

عَلَيْنا

البَقاءْ؟



فُوّهات البراكين الخامدة
هِياجُ أَمْواجٍ عالِيَةٍ وَما مِنْ شَواطِئ
هَلْ هذا الَّذي بَقِيَ لَنا
بَعْدَ بِحارِ الدَّم السَّبْعَة؟

سَنَعُودُ بَعْدَ غُبارِ الغَضَب مُنْتَصِرِين

أَلسَّادَةُ الجُدُد يَسْخَرون مِنّا خَلْفَ شاشاتِ التِّلفزيون،
يُعِدُّونَ لَنا مُسَلِّياتٍ وَمُشَهِّيات جَديدة تَجعَل جِراحَنا
مُمْتِعَةً، وَيَسيلُ دَمُنا وَريقُنا في أَنْهارِهِم البَنْكِيَّة
خَمْرًا وَلَبَنًا.

لا بَأْس.. سَنَغْضَبُ غَدًا
وَنَعودُ.. عَلى غَضَبِنا مُنْتَصِرين!





إِلى أَيْنَ تَأْخُذُنا يا دُخانُ
إِلى أَيْنَ؟ مَنْ سَيَظَلُّ عَلى الأَرْضِ مِنَّا
سِوى سادَةِ النَّارِ في لا مَكانْ؟
إِلى أَيْنَ تَأخُذُنا يا دُخانُ
لِنَتْرُكَ أَجْسامَنا خَلْفَنا
وَأَرْواحَنا ثُمَّ لا نَصِلُ البَحْرَ
إِلّا عِظامًا تَدُلُّ عَلَيْنا الزَّمانْ؟

لَمْ أَعُدْ سَيِّدًا لِيَدي
وَسِوايَ يَغُذُّ خُطايَ
إِلى غَدِهِ لا غَدي
لَم أَعُدْ أَحَدَا
لا أُفَرِّقُ بَيْنَ المَدَى والرَّدَى
لا أُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّدَى والسُّدَى
لا أُفَرِّقُ بَيْنَ التَّوابِيتِ
لا
لَمْ أَعُدْ أَحَدَا

إلى أَينَ تَأْخُذُنا يا دُخانُ
عَلى دابَّةٍ نَحْنُ دابَّتُها؟!



لا نُطِلُّ عَلى أَنْفُسِنا مِنْ أَصْغَرِ النَّوافِذِ في البُيُوت
بَل عَلى أَشْخاصٍ غَيْرنا رَأَتْهُمُ الكاميرات
فَحَلُّوا مَكانَنا
وَأَخْفَتْنا عصيُّهُم السِّحْرِيَّة

نَرى جَيِّدًا لكِنَّنا نَزْدادُ عَمًى
في هذا النُّورِ الّذي يَنْفُثُهُ التِّنِّينُ الأَسْوَد

وَنَحتاجُ ما لا نَحْتاجُهُ
وَنَشْتَهي ما لا نَشْتَهِيه

وَلا شَيْءَ يُثيرُ الغَضَب
في أَيَّامِنا المَحْفوظَةِ في الثَّلّاجَة
حَتّى تَطْلُعَ شَمْسٌ
لَمْ نَنْتَظِرْها..



قَتَلُوني عَلى قِمَّةِ الغَيْمِ يا أُخوَتي
أَحْرَقُوا كُتُبي حينَ خَبَّأَها الثَّائِرُونَ
قُلوبًا مِنَ النَّارِ
وَاقْتَسَمُوا جُثَّتي في ثَلاثينَ باخِرَةً
ثُمَّ أَلْقَوْا بِها في البِحارِ
فَمجْتُ وَهِجْتُ
عَلى شاطِئِ اللَّيْلِ
أَطْرُقُ أَحْلامَكُمْ:
أُخْرُجُوا مِنْ سَنامي الثَّقيلِ
انْظُروا جَيِّدًا في عُيونِ الدُّخانِ الجَميلَةِ
كَيْ تَلْمَحُوا نابَهُ المُتَخَضِّبَ بي
وَبِكُمْ
لا تَغُرَّنَّكُمْ بَسْمَةُ المُفْتَرِسْ
لا تَغُرَّنَّكُمْ جُثَثٌ في مَلابِسَ زاهِيَةٍ
وَنَبيذُ الدِّماءْ
لا يَغُرَّنَّكُمْ
وَتُرابُ السَّماءْ
لا يَغُرَّنَّكُمْ
فَعَلى هذِهِ الأَرْضِ يَسْقُطُ تُفّاحُكُمْ
وَعَلى هذِهِ الأَرْضِ يَسْقُطُ سَفَّاحُكُمْ
لَنْ يُخَلِّصَكُمْ مِنْ عَذابٍ
سُقوطُ الشُّهُبْ
مِنْ سَماءٍ لَها أَهْلُها الغائِبونْ
فَانْهَضوا مِنْ سُباتِ الكُتُبْ
كَيْ أَقُومَ
انْهَضُوا واتْبَعُون!



.. سَأُطِلُّ مِن عَدَنٍ عَلى هذا الزَّمانِ فَلا أَرى غَيْرَ الفُؤوسِ
عَلى الرُّؤوسِ البُورِ مُصْلَتَةً، وَلا أَحَدٌ سِوى القَتْلَى. أنا مَوْجٌ
يُرَفْرِفُ في الغُيُومِ، شُنِقْتُ ثُمَّ بُعِثْتُ. أَيْنَ يَفِرُّ مِن قَمَري
الطُّغاةُ؟ وَأيْنَ يَخْتَبِئُ الغُزاةُ الخائِبونَ غَدًا؟
(هَلِ اتَّفَقَ الدُّخانُ مَعَ الخَليفةِ بَعْدَما شَرِبا زُجاجَةَ خَمْرِنا
الرَّمْلِيِّ أَن يَطَآ نِمالَ الثَّوْرَةِ؟ - انْتَظِرُوا القِيامَةَ أَيُّها
الفُقَراءُ – أَذَّنَ فيكُمُ الشَّيْخُ الخَليفَةُ – حَيَّ حَيَّ عَلى التُّرابْ
لا عَقْلَ غَيْر الخَوْفِ مِنْ عَسَسِ الخَليفَةِ والدُّخانِ، وَلا
قِيامَ سِوى القِيامَةِ. أَيُّها الفُقَراءُ فَابْتَهِلُوا لِرَبِّ الظّالِمِينَ
وَأَمْهِلُوهُم عُمْرَكُمْ! – قالَ السَّراب)
.. إِمامُكُمْ عَقْلٌ
سَأَفْتَحُ صَفْحَةً أُخْرَى لِأَقْرَأَ ما يَصيرُ:
يَدُ الخَليفَةِ خَوْفُكُمْ
وَغَدُ الخَليفَةِ عَصْفُكُمْ.
يا أخْوَتي المُتَحَصِّنينَ بِجِلْدِكُمْ
طَلَعَ الإِمامُ
وَكُلُّ مَنْ قُتِلَ انْبَعَثْ
يا أَيُّها المَطَرُ المُكَدَّرُ في المَعابِدِ
فَالْتَهِبْ رَعْدًا عَلى صَمْتِ الجُثَثْ!



ألمظْلومونَ يَتَراكَضون
لِمُبايَعَة الظالِم الجَديد
فيما كانَ الشاعِر يَمْدَح نابليون الثالث
وَيَدْعُو إِلهَ المَعْبَد الطَّيِّبَ
حاميَ الفُقَراء بَعْدَ مَوْتِهِم
أَن يُطيلَ عُمْرَهُ!

عِنْدَما فاجَأَتْهُمُ الشُّموس
وَأَطْفَأَتْ نُجُومَ ظُلْمِهِم
تَذَكَّرُوا كَيْفَ أَطْفَأُوا الحُرِّيَّة
كَما يُطْفِئُون الشُّمُوع
وَكَيْفَ غَرَّرَتْ بِهِمْ
فُوَّهاتُ البَراكين الخامِدَة












الهاوية



أُلازِمُهُ صُدْفَةً مُنْذُ نحو (30) عامًا

وَلَمْ نَتَعارَفْ بَعْد.



مَضى وَقْتٌ طَويلٌ حَتَّى تخلَّصَ مِنْ مِلاءَةِ أحْلامِهِ

الواسعةِ الَّتي اتَّسَخَتْ مِنْ كَثْرَةِ ما جَرْجَرَ أَذْيالَها

خَلْفَهُ في الأَزِقَّةِ، ثُمَّ رَماها وَآثَرَ السَّيْرَ عارِيًا

حَتَّى انْطَبَعَتْ قُبُلاتُ الشَّمْسِ عَلى كُلِّ جِسْمِهِ كَالنُّدُوب.



لَمْ يُصَدِّقْ كَيْفَ نَجا مِن طَيْرِ الرّخِّ وَمِنْ شاطِئِ ظَهْرِ

السَّمَكَةِ الكبيرَةِ الَّذي يَحِنُّ إِلَيْهِ أَحْيانًا.



لَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ فَعَلَهُ. كانَ مُضْطَرًّا فَقَطْ

إِلى السُّقوطِ بِحُكْمِ قانونِ التُّفّاحَةِ الَّذي ارْتَعَبَ مِنْهُ

جِدًّا في أَوَّلِ الأَمْرِ عِنْدَما حاوَلَ التَّشَبُّثَ بِحافَّةِ

الهاوِيَةِ اللَّزِجَة.



وَهَوَى حتَّى لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ غَيْرَ أَنْ يَهْويَ أكْثَرَ

في هاوِيَةٍ بِلا قَرارٍ سِوى حُفْرَةٍ بِحَجْمِ جِسْمِهِ.



.. لَمْ يَعُدْ إِلَيْنا أَحَدٌ مِنْ قاعِ الهاوِيَة.



في الهاوِيَةِ كُلُّهُم يَهْوُونَ. وَلَيْسَ مِنَ اللَّائِقِ أَنْ تَقِفَ

مُعَلَّقًا في الفَراغِ مِثْلَ ثَقْبٍ في ثَوْبِ السَّماءِ الأَسْوَد.



في الهاوِيَةِ لا وَقْتَ لِلنَّظَرِ في مَعْنَى السًّقوطِ

طالَما لا يوجَد خِيارٌ آخَر.



فَكَّرْتُ يَوْمًا بِاسْتِعْمالِ البَراشُوت. وَلكِنَّني لَمْ أَتَحَمَّلْ

مُفارَقَةَ رِفاقي الَّذينَ كانوا مُسْرِعينَ جِدًّا بِلا سَبَبٍ

غامِضٍ. فَاضْطُرِرْتُ إِلى تَمْزيقِهِ وَعِناقِ صَخْرَةٍ ثَقِيلَةٍ

لِلَّحاقِ بِهِمْ.



أليَوْمَ أَصْبَحْتُ أَسْتَمْتِعُ بِهذِهِ الهِوايَة

حَتَّى أَنَّني لا أَشْعُرُ أَنَّني أَهْوِي






أُعْبُرِ الوَقْتَ كَالرِّيح

عِشْ حَياتَكَ
يا أَيُّها الشّاعِرُ
عِشْ حَياتَكَ دونَ مَرايا
مُكَسَّرَةٍ في الوَرَقْ
وَاعْبُرِ الوَقْتَ كَالرِّيحِ
لا حَيْرَةٌ أَوْ قَلَقْ
وَانْسَ قَبْلَ الغَرَقْ
ما يُخَبِّئُهُ البَحْرُ
.. يا أَيُّها الشّاعِرُ
كُلُّ ما قُلْتَهُ
عُمْرُكَ العابِرُ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق