السبت، 12 فبراير 2011

شكرًا لكُم يا شعب مصر / بقلم: سامر خير


شكرًا لكُم يا شباب ويا صبايا مصر، يا عجائز ويا أطفال مصر، يا شعب مصر العظيم.
ثورتكم لن تغيّر وجه مصر فحسب، بل إنّها ترسل بأشعّتها التي تشبه رائحة الجنّة الى كل عربي على وجه الأرض، بل الى كل إنسان في جميع قارات المعمورة. إنها أشعّة الحرية والكرامة والقدرة على تحقيق وتقرير المصير.

لن يكون أي إنسان ضعيفًا بعد اليوم. لن ينام أي موجوع وصرخته محبوسة في صدره بعد اليوم. لن يؤمن الناس بما يريد الطغاة أن يوهموهم بأنه قضاء وقدر بعد اليوم. من الآن أصبح مصير الناس بأيديهم هم وحدهم إذا آمنوا بذلك بكل قلوبهم، كما فعل المصريون الأبطال.

ما يبدو أنه معجزة كان من الممكن إنجازه طوال الوقت، ولكن "جدار برلين" الخوف والترهيب والتجويع كان يفصل بين الناس وبين الهواء، حتى اكتشف شباب مصر انه ليس إلا جدارًا من كرتون، وأن النظام الذي بدا وكأنّه مُنزَل وسرمدي ما هو إلا نظام من كرتون، ورئيسه وزبانيته من كرتون، وأذرعه الأمنية المحنّطة والمنقرضة من كرتون. لقد شوّهوا بَصَركُم وبصيرتكُم على مدار عقود، وشوّهوا واقع الحال بما يشبه الخدع السينمائية الهوليوودية، بينما الحقيقة هي أنكم أنتم الأقوى، أنتم الأسياد ولستم العبيد، وكلّكُم راعٍ ولستم قطيعًا من الغنم. وهذا ما أثبتّموه أيّها الأبطال، بعد أن أوقفتُم بث فيلم السلطة المدبلَج الوهمي.

.. شكرًا لكم، أيضًا لأنّكُم أثبتُّم لنا أننا لم نكُن مجرّد حالمين، لم نكُن "غريبي الأطوار" نحلم بثورة العرب على القمع والظلم والذلّ. لم نكُن ننتمي لأمة لا تستحق أن ترفع رأسها، ولا تفهم سوى بالضرب والخوف، كما حاول ايهامنا اللئام، ونحن كاليتامى على موائدهم.

شكرًا لكم، يا من مهرتم ثورة العزة والكرامة بدمائكم، على نعمة أن عيشنا بكرامة صار أمرًا ممكنًا. لن يعيّرنا أحد بعد اليوم بأننا لم نكُن لنجرؤ على الكلام لو كنّا نعيش في الدول العربية. بلى، إننا نجرؤ، ومن حقنا أن نرفع صوتنا عاليًا. مصيرنا بيدنا. لن نرضى بما يقلّل من قيمتنا وشأننا. لن نقبل بالفتات. بلى. والدليل أخوتنا شباب وصبايا وعجائز وأطفال مصر. إنّنا مثلهم متساوون مع كل أمم الدنيا، القريبة منها والبعيدة. ولن يجرؤ بعد اليوم أي عنصري مقيت على إهانتنا بالادّعاء اننا لا نستحق العيش بديمقراطية وحرية، أو أن يمنّ علينا بنعمة الديمقراطية التي لا تناسبنا بالفطرة حسب اعتقاده المريض. ومن الأفضل لكل مخابرات الكرتون أيضًا أن تفهم هذا الدرس جيدًا.

.. لم نحزن على الإطاحة بصدّام في عام 2003، ولكنّنا حزنّا على أن ذلك لم يتحقّق سوى بأيادٍ أجنبية. يئسنا من شدة الشعور بقلّة الحيلة لدى أبناء أمّتنا. يئسنا وتجمّدنا من شدّة برد الإحباط والضعف. فشكرًا لكُم يا شباب مصر، على أنّكُم انتشلتمونا من بئر اليأس الذي رمانا فيه أخوتنا. شكرًا لكُم، على الصناعة المحليّة للثورة، للديمقراطية، للحرية والأمل.

الآن سَقَط الصنم حقًا. الصنم ومن معه على جميع المستويات. سَقَط جيل الخوف والجهل والضعف. سَقَط أسياد المال والذهب، السارقون مصّاصو دم الشعوب كالذباب. سَقَط المدمنون على النرجيلة والشاي والقهوة في انتظار لا شيء سوى الموت. سَقَط شعراء البلاط والإنشاء والكذب، الّذين تشدّقوا بكلمات الثورة وهم ينافقون لأقدام الحكّام.

والآن جيلٌ جديد. جيلٌ يريد ويحبّ الحياة. جيل يبغض تمنّي الموت من شدة الألم، بل يرفض ويتحدّى ويتشبّث بحقه في الحياة بكرامة، مهما كان الثمن.
الشكر لشباب وأهل تونس، حيث انطلقت شرارة الحرية. ولكنّ عظمة الثورة تتجلى في مصر، لما لأرض الكنانة من أهمية بالغة. رأس النبع في تونس، ولكنّ النهر الجارف ينطلق من مصر. ولن يستطيع أحد أن يوقف سيله الهادر، بعد أن فشلت حتى أمريكا في ذلك، لأن لا أحد يستطيع الوقوف في وجه إرادة الشعوب مهما بلغ جبروته. من اليوم أصبح الشعب هو القوة العظمى، وما من دولة تستطيع نزع هذا اللقب منه.

نعم، من الممكن أن يتغيّر وجه العالم كلّه عمّا قريب، لنعيش في عالم جديد ليس الذي كانت تخطّط له أجهزة الظلام العالمية. ان ما اجترحه شعب مصر هو مصدر إلهام لكل شعوب الأرض، حتى تلك التي تنعم بالديمقراطية الغربية. ونحن في هذه البلاد بالذّات نعرف جيدًا كيف أنه حتى الديمقراطية تدجّن شعبها، تأكل حقوقه، تخدم الأغنياء وتسحق الفقراء.

والانتخابات وحدها لم تعُد كافية للتغيير والإصلاح،، فسيّد الموقف فيها هو المال، وغاية السلطة فيها تبرّر كل وسائل الكذب والخداع من أجل نيل صوت الناخب، ثمّ يعود الدولاب الى ما كان عليه من دَوَران، حتى لو تغيّرت الوجوه والأسماء. إن زواج السلطة والمال – الذي هو أحد الأصنام التي تريد الثورة المصرية إسقاطها – هو ظاهرة عالمية، تنشط في كل بقعة بالخفاء أو بالعلن. ولا بدّ من يوم تتصدّى فيه كل الشعوب لها في كل مكان.

قد يبدو هذا حلمًا ساذجًا. ولكن الحلم قبل شهر واحد فقط بثورة في مصر، كان ليبدو هو أيضًا ساذجًا.
.. شكرًا لكُم يا أهل مصر. شكرًا على نعمة الحرية والكرامة والأمل. والآن حان موعد العمل. ان الامتحان الكبير ما زال أمامكم. لا تدعوا نشوة النصر تلهيكم عن تطبيق الحلم. لم تعُد هذه قضيتكم وحدكم. آمال الملايين المملينة حول العالم معقودة عليكم.
اليوم نصر وغدًا أمر..