الأحد، 12 أغسطس 2012

أسوأ عادات القوم / سامر خير

ما دُمْنا

في الألفِ الثالث بعدَ الميلادْ

نَنْتَظِرُ صَلاحَ الدِّينِ يَعودُ

عَلى هيئةِ دِكتاتورٍ مَنْصورٍ

فَوقَ حِصانٍ أَبْيَضَ مِنْ بَغْدادْ

أَوْ مِنْ مِصْرَ،

فَلا جَدْوى مِن شَمْسِ الثَّوْراتِ

وَلا جَدْوى

مِنْ زَنْبَقَةٍ أَوْ زَوْبَعَةٍ

زُرِعَتْ في حَقْلِ رَمادْ

وَرَواها دَمُ مليونِ شَهيدٍ

..

 

لا بُدَّ إِذًا

مِنْ غَسْلِ الرَّأْسِ

بَصابُونِ الأَحْلامِ

وَلَفْظِ الأَوْهامِ جَميعًا

كَالجيفَةِ مِنْ قارِبِنا

لا بُدَّ لَنا مِنْ أَجْنِحَةٍ لَنَسيرَ عَلى أُفُقٍ

لا يُمْكِنُ أَن نَعْلُوَ ذَرَّةَ رَمْلٍ فَوْقَ الرَّمْلِ

إذا لَمْ نَقْطَعْ بِالسَّيْفِ

جُذورًا تَأْكُلُ غَيْمَتَنا كَجَرادْ

لا بُدَّ لَنا

أَنْ نَنْسى حُورًا في الجَنَّةِ

تَكْسِرْنَ خُطانا في الأَرْضِ

فَوَاللّهِ الحُورُ وَفيراتٌ

في كُلِّ بِلادْ

لا بُدَّ لَنا أَن نَصْحو يَومًا

ونُجيبَ إذا سَأَلونا:

نَحْنُ بَنو آدَمَ

لا أبناءُ قَبيلَةِ قَيْسٍ أو يَمَنٍ

أَو آلِ ثَمودٍ وَحَمولَةِ عادْ!

 

لا يَكْفي

أَنْ نَكْسِرَ نارَ الأَصْفادْ

ما دامَ عَريضًا

وَعَميقًا فينا السِّجْنُ

كَجُبٍّ في كُلِّ فُؤادْ

وَعَلَيْهِ اعْتَدْنا

وَعَلَيْنا اعْتادْ

.. أَسْوَأُ عاداتِ القَوْمِ

عَمى المُعتادْ

وَأَجَلُّ العاداتِ

الفَتْكُ بِكُلِّ رُكودٍ

حَتّى بِرُكودِ الأمْجادْ

 

يا رِيحَ الصَّحْراءِ أَعينيني

لا أَفْهَمُ

كَيْفَ تَطولُ عَلى صَدْري

أَعْمارُ الكُثْبانْ

يا ريحَ البَحْرِ أَعينيني

لا أَفْهَمُ

كَيْفَ سَفينَتُنا الآنَ

تُقادُ بِمُومِيّاءَ

وَمِنْ أَلْفِ خَريفٍ

ماتَ الرُّبّانْ

ما زالَتْ في اللَّيْلِ

عَلى سُنَّتِهِ

تَتَخَبَّطُ كَالعُمْيانْ

مِن دونِ مكانٍ

مِن دونِ زَمانْ

وَتَمُرُّ كَأَنْ ما مَرَّ خَيالٌ

أَو مَرَّ كَيانْ

لا كائنَ فيها إِلّا ما كانْ

لا مُعْجِزَ فيها إِلّا ما هانْ

ما هذا الغارُ

كَفَكَّيْ تِمساحٍ

يُطْبِقُ كَالنَّوْمِ

عَلى نَهْرٍ نَسِيَ الجَرَيانْ

ما هذا البابُ الموصَدُ

نَخْشى أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ

وَهْوَ فَراغٌ

أَوْهى مِنْ قُطْنِ عَنانْ

ما هُوَ إِلّا شَبَكُ خُيوطٍ

نَسَجَتْها في اللَّيْلِ

عَناكِبُ عُربانْ

ما هذا اللَّيْلُ

وَمِنْ شِدَّةِ نُورِ الدُّنْيا

كِدْتُ أَقولُ

لَقَدْ بَزَغَتْ شَمْسانْ

ما هذا؟

وَاللهِ لَقَدْ آنَ لَنا

أَنْ نَنْفُضَ جيفَةَ مَأْمَنِنا..

إِنْ لَمْ نَقْفِزْ

مِنْ هَدْأَةِ هذا الجُبِّ

فَلَيْسَ لَنا في الدَّهْرِ أَمانْ

الأحد، 27 مايو 2012

أمنية الأصنام الأخيرة / سامر خير


بعضُ الأصْنامِ لَدَيْها مَشاعِر

لا يَجْرَحُها شيءٌ أَكثَرَ مِن أَن تُسِرَّ لَها

بِأَنَّها بَشَرٌ يَفْنى كَالآخَرين

بعضُ الأصنامِ عَلى رُؤُوسِها شَعْرٌ حَقيقيٌّ

قد يكونُ مصبوغًا

وفي وجهها عيونٌ نَسِيَتْ ما الدُّموع

مِنْ كَثْرَةِ ما تَوَثَّنَتْ

بَعْضُ الأصنام تَمشي

تُربّي القِطَط

تَقْرَأ

وَتُبحِرُ في الإنترنت



في لحظة الهدمِ

والفُؤوسُ تُعمي عُيونَها بِنُورِها السّاطِع

كَمْ تَتَمَنّى لو أَنَّها كانت

حَقًّا
أَصنامًا مِن حَجَر

الخميس، 29 مارس 2012

ألرِّسالَة / سامر خير


شُكْرًا لِمَنْ إِذا كَتَبْتُ

يَحْتَفونَ بي كَشَمْعَةٍ

بِما يَليقُ بِالظَّلامِ

.. وَآسِفٌ

مِمَّنْ أَهَجْتُ وَحْلَهُمْ

حينَ عَصَفْتُ بِالكَلامِ

كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا رِياحي هَمَدَتْ

وحَسِبوا أَنَّ جِراحي الْتَأَمَتْ

حَتّى اقْتَحَمْتُ نَوْمَهُمْ

من دونِ إِذْنٍ

أَو سَلامِ



.. وَاللهِ ما دَعَوْتُهُ

فَالشِّعْرُ يَدْعوني إلى خَضِّ البِحارِ

وَاللّهِ كَمْ صَدَدْتُهُ عَنِّي

وَلكِنْ

ظَلَّ مِثْلَ الوَحْيِ يَسْتَوْطِنُ داري



إِذا رَسولُ اللهِ نادى وَحْيَهُ

وَالوَحْيُ لَمْ يفْجَأْهُ في نَوْمٍ وَغارِ

.. إِذًا أَنا أَعِدُكُمْ

وَعْدَ وَفِيٍّ
أَنْ أَعودَ مِثْلَ لُؤْلُؤٍ إِلى مَحاري!

السبت، 24 مارس 2012

مِئذَنَةٌ في صَفَد / سامر خير


في صَفَد
ما تَزالُ مئذنَةٌ مِنْ غَيْرِ هِلال
تُطِلُّ مِنْ وَسْطِ الشارِع
شاهِدَةً عَلى مَسْجِدٍ مَدْفونٍ تَحْتَهُ
حَيًّا
كَما يَرى بَعْضُ أَهْلِها الجُدُد

كَأَنَّها مِسْمارٌ مَدْقُوقٌ بِالعَكْس
لِتَعْليق بَقايا بَيْتِ الله عَلى جِدارٍ مَقْلُوب

تَعْبُرُ بِجانِبِها فَتاةٌ يَهودِيَّةٌ شَقْراء
قادِمَةٌ مِنْ رُوسيا أَو أوكرانيا
خالِعَةً مَلابِسَها
إِلّا ما يُشْبِهُ تَنُّورَةً قَصيرَة
وَخِرْقَةً تُغَطّي بَعْض رُمّانِها

ثُمَّ تَعْبُرُ فَتَياتٌ عَرَبِيَّاتٌ
أَكْثَرُ احْتِشامًا مِنْها
يَتَعَلَّمْنَ الحُبَّ في كُلِّيَّةِ صَفَد
لِنَيْلِ شَهاداتٍ مِنْ غَيْرِ عارٍ
في مُجْتَمَعِ السَّمَكِ
المُحافِظِ بِفَخْرٍ عَلى أَعْماقِ البَحْر

سَمَكٌ يُتْقِنُ الطَّيَرانَ مِنْ دونِ خَياشِيم
عَلى جُزُرٍ كانَتْ لَهُ

ثُمَّ تَعْبُرُ فَتَياتٌ يَهودِيّاتٌ
أَكْثَرُ احتِشامًا مِنْهُنَّ
كَأَنَّهُنَّ خَرَجْنَ لِلتَّوِّ مِنَ التَّوْراة
كَأَرْغِفَةٍ طازَجَةٍ مِنْ فُرْنِ حَطَب

وَشَبابٌ جامِعِيُّونَ عَرب
يَقْطُنونَ في صَفَد بِدونِ سوءِ نِيَّةٍ
مِنْ قَبيلِ عَوْدَةِ شَعْبِهِم إِلَيْها
يَعْبُرونَ وَفي جُيوبِهِم
رَسائِل حُبٍّ فارِغَةٌ
فَاغِرَةٌ فَكَّيْها لِالْتِهامِ أَيِّ طارِئ

ثُمَّ يَمُرُّ يَهودٌ مُتَدَيِّنون
بِسَحنَاتٍ يَمَنِيَّةٍ وَمَغْرِبِيَّةٍ وَأشكِنازِيَّة
بِمَلابِسَ وَقُبَّعاتٍ وَلِحًى سُودٍ
وَقُمْصانٍ بَيْضاء كَرَأْسِ المِئذَنَة
يَشُدُّونَ دَعْساتِهِم عَلى الرَّصيف
كُلَّما اقْتَرَبُوا
عَلَّهُ يَتَصَدَّع وَيَنْهار
عَلى ما تَبَقّى مِنَ ابْتِهالات
تَحْتَ الشّارِع
وَتَهْوِي مَعَهُ آثارُ أَغْيارٍ
يُشْبِهونَ بُيوتَ صَفَد القَديمَة

في صَفَد
ما تَزالُ مِئْذَنَةٌ واحِدَةٌ
مِنْ غَيْرِ هِلالٍ عَلَيْها
وَلا مُؤَذِّنٍ وَلا مُصَلِّينَ
تُضَيِّقُ الشَّارِعَ الجَديد

مِئْذنَةٌ صامِتَةٌ
لكِنَّها تَتَكَلَّمُ العَرَبِيَّةَ بِطلاقَةٍ
وَلا يَسْمَعُها
إِلّا مَنْ لا يَفْهَمونَها
فَيَبْصُقون حَنَقًا على الرَّصيف
لِخِشْيَتِهِمْ أَنْ يَنْزِلُوا قَبْلَها
إِلى العَدَم

الثلاثاء، 17 يناير 2012

مُفَرْقَعات نَثْرِيَّة في لَيْلِ الصَّحْراء / سامر خير


بِئْسَ أمةٍ يكدّس بعضُها المالَ
كما يُكدِّس فقيرٌ مِنْ أَبْنائِها أَحْزانَهُ
جَبَلًا جَبَلًا
وَلا يَجِدُ آيةً واحدةً في مَلاهي مَعابِدِها
يُشْهِرُها في وَجْهِ الظّالِم..
متى تعودُ مِنْ منفاكَ
يا سيّدي أبا ذرّ؟
***
حينَ وُلِدْتُ
لَم تلمعْ أيّةُ نَجْمة
لم ينتظرني أحدٌ سِوى والديَّ
زادَ العالَمُ مُجَرَّدَ شَخْصٍ واحدٍ آخَر
.. وَمِنَ المُرَجَّح أَنَّهُ حينَ أموتُ
لن ينتبه أحدٌ
أنّ السبعة مليارات نقصوا شخصًا واحدًا
إلّا الأستاذ الّذي يُسَجِّل أسماء
مَنْ غابوا عن الدَّرس
إن كانَ هذا الأستاذ
حاضِرًا أصلًا
***
ما أقْسى الثّوْراتِ في هذِهِ الصَّحْراءِ المُوشّاةِ بالآيات.
كَأَن لا شَيْءَ تَغَيَّرَ مُنْذُ اضْطُرَّ صَحابَةُ رَسولِ الله إلى طَلَبِ مُساعدَةٍ أجْنَبِيَّة
فَاسْتَغاثُوا بِالمَلِكِ النَّصْرانِيّ
.. فَلِماذا تَلومونَ الآنَ ضَحايا المَجازِر وَالِاغْتِصابِ الجَماعِيّ؟
***
أطمَحُ أحْيانًا
يا عَدُوِّي العادِلَ مَع أَهْلِك
أن أنتمي إليك
فأنا ابنُ أمّةٍ
كَالنَّار
تأكُل بعضَها
إن لمْ تجدْ ما تأكُلُه
***
غَريبٌ أَمْرُ شُعَراءِ هذه الأُمَّة، فَمِن مُعاصِريهِم مَنْ تَتَعَثَّرُ في قَصائِدِهِ بِفوهاتِ بَراكين ثَوْرِيَّة وَتكادُ مِنْ شِدَّةِ حَماسِهِ أَنْ تَقْفِزَ من النّافِذةِ حامِلًا صَليبَك، بَيْنَما أَكْبَرُ جِهاداتِهِ لا يَتَعَدَّى فَكَّ أَزْرارِ قَميص..
أَلَمْ يَتَغَنَّ المُتَنَبِّي بِأَنَّ الخَيْلَ وَاللَّيْلَ وَالبَيْداءَ تَعْرِفُهُ وَالسَّيْفَ وَالرُّمْح، وَفي أَوَّل مُواجَهَة مَع فارِسِ جُبان لَقِيَ حَتْفَهُ؟
***
قالَ الفُقَراء:
لا تَنْسَوْا أَنَّنا
مِنْ شِدَّةِ نِسْيانِنا يَبْتَدِئُ التَّاريخ
ثَوْراتُنا كانت عَن غيْرِ قَصد
وَمَسيحُنا ماتَ
ظانًّا أَنَّهُ احْتَرَقَ عَبَثًا
مِن شِدَّةِ الكَرامَة
لكنَّ التّاريخ ظَلَّ يُولَدُ دائمًا كَغَيْمَة
مِنْ بُخارِ أَوْجاعِنا
عَنْ غَيْرِ قَصْد
لا تَنْسونا بَعْدَ قَليل
وَتَنْسبوا عُروشَكُم إلى السَّماءِ وَحْدَها
فَنَحْنُ أيْضًا نُعْطي المُلْكَ لِمَنْ نَشاء
وَنَنْزَعُهُ مِمَّن نَشاء
***
أمشي كَالسّلحفاةِ
بَطيئًا
عَلى الضِّفاف. لكنَّني
عَلى الأقلِّ أَمشي
وَأَتَمَلَّى ما أَرى.
فَلماذا أَنتُم واقِفون
تَنْتِظرونَ مَصَبَّ القِيامَة؟
واقِفونَ كَأَنَّكُم راجِعون
في مِياهِ النَّهْر؟
***
غَريبٌ أَمْرُ هؤلاءِ العلْمانيِّين، يُقَدِّسونَ رُموزَهُم وَيُعَلِّقونَهُم أَيْقوناتٍ في مَعابِدَ بِلا رَبّ، وَيَكادونَ يُؤَلِّهونَهُم كُلَّما طالَ عُمْرُ مَوْتِهِمْ
بَيْنَما يَهْزَأُونَ بِمَنْ يُسَمُّونَهُم جَهَلَة لأنَّهُم يُقَدِّسونَ الأنْبِياء
***
طُموحُهُم مَكْسورُ الرَّقَبَة
يُديرُ وَجْهَهُ إلى الوراء:
أعْظَم قادَتِهِم لا بُدَّ أن يكونَ صَلاحَ الدِّين
أعْظَمُ شُعَرائِهِم لا بُدَّ أن يكونَ المُتَنَبّي
أعْظَمُ دُوَلِهِم لا بُدَّ أَن تَبْدَأَ مِنْ مَكَّة
.. أما مِنْ جَديدٍ تَحْتَ الشَّمْس؟
أَما مِنْ جَديدٍ تَحْتَ نُجومِ اللَّيْل؟
مَتى يَخْرُجُ المُسْتَقْبَل
مِن زنْزانَةِ الماضي؟
***
تِلْكَ الفَتاةُ المِصْرِيّةُ أو التُّونسِيَّة
كَيْفَ تجرَّأَتْ عَلى التّعرّي خارِجَ مِرْآتِها؟
كَيْفَ تَجَرَّأَتْ عَلى خَلْعِ لِحائِها
خارِجَ غُرَف القُصُورِ الأُسْطُورِيّة
المُمْتَدَّة عَلى ضِفافِ نَهْرِ النَّفْط؟
أَما كانَ بِالإمكانِ استيرادُها
بِطائِرَة خاصَّة شغّالَة 24/24
في خِدْمِةِ قَضايا الأُمَّة؟
***
"ما يُفيدُكَ يا بُنّيَّ عِلْمُك
إِذا لَمْ تَجِدْ عَمَلًا؟
يكفيكَ يا بُنَيَّ أَنْ تَتَعَلَّمَ شَيْئًا واحِدًا:
تَعَلَّمْ أَنْ تَأْكُلَ غَيْرَك"
.. لا أَحَدَ يَذْكُرُ
أَمِنَ الفَقْرِ والجوعِ
أَمْ مِنْ هذِهِ الحِكْمَة
ابْتَدَأَتِ الفِتْنَة
***
مُذُ قَرَأْتُ مُذَكَّراتِ بَعْضِ الشُّعَراء، ورأيتُ كيْفَ أَنَّهُ صَدَّقَ كِذْبَتَهُ عَلى النَّاس وَكِذْبَةَ النَّاسِ عَلَيْه، وَاكْتَشَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سِوى أَعْرابِيٍّ مُنْقَرِضٍ بِرَبْطةِ عُنُق يُفاخِرُ بِأَنْسابٍ صَحْراوِيَّةٍ
حينَئِذٍ تَقَبَّلْتُ بِكامِلِ الرِّضا أَنَّني إِنْسانٌ عادِيٌّ جِدًّا كَالحُزْن لَا أَدَّعي النُّبُوَّةَ وَلا أُعاني من قِلَّةِ الاهْتِمام
كالجَميعِ خِرْقَةٌ في الرِّيحِ أَنا
وَكَالجَميعِ عَظيمٌ
لَنْ أَيْأَسَ في أَرْذَلِ العُمْر
إِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شِعْري سِوى الحِبْر
ما دامَ جَسَدي إلى زَوال
وَلَنْ أَحْزَن
إِنْ نَسِيَ النَّاسُ اسْمي
كَأَسْماءِ سبعةِ ملياراتٍ آخرين
مِنَ النَّاسِ العادِيِّين
إِنَّ هذه لَنِعْمَةٌ
كَمْ يَتَمَنَّاها المُصابونَ بِجُنونِ العَظَمَة
مِثْلَ الفارِسِ المسْكين أَعْلاه
الَّذي في حياتِهِ
ما امْتَطى صَهْوَةَ حِصان!
***
عظيم
برافو.. برافو
(تصفيق لمدّة تنهيدَتَيْن)..
لكنّكَ يا هذا البَهْلَوانُ الرّائِع
لا تسوى أَكْثَر مِمَّا على أَغْصانِك
مِن قَليلِ أَوْراقِ المال
وما دامَ لا أحدَ يشتري أوراقَ كُتْبِك
لِأَنَّ أوراقَ التَّبغِ أَهَمّ
فَعَلَيْكَ أَن تَعودَ سريعًا
إلى العَمَل الشّاقّ مع زُملائِكَ الحَمير
ففي هذا الوَطَنِ المُمِلِّ كَانْتِظارِ المَوْت
النرجيلة أَهَمّ من الفنّ
والموسيقى
والشِّعْر
***
لقد خيَّبتُم آمَالَ الملايين
وأنتُم تسحَلون الفتاةَ المُنَقَّبَةَ ذاتَ الصّدريّةِ الزَّرْقاء
في ميدان التحرير
.. لماذا لم تُكْمِلوا الفيلم؟
لماذا قطعْتُم المَشْهَدَ كَأَنَّكُم تخرجون إلى فقرةِ إِعْلان؟
لماذا لمْ تُرونا ما تحتَ القُبَّتَيْنِ الزرقاوَيْن؟
.. والبِنطال؟
لماذا ظلَّ عالِقًا مثل يَدَيْنِ عَلى حافَّةِ هاوِيَة؟
يا سَفَلَة
يا مُنْحَطُّون!
***
في وَقْتِ الأَزَماتِ كانَ المغلوبُ عَلى أَمرهِم في إنجلترا موقِنينَ تمامًا بِالعَوْدَةِ القَريبَةِ لِلْمَلِكِ آرثر من البُحَيْرَةِ المَسْحورَةِ حَيْثُ تَحْرُسُهُ الجِنِّيَّاتُ أو مِنَ الكَهْفِ الفَضائِيِّ الَّذي يخْتَبِئُ فيه مُنْذُ مِئاتِ السِّنينِ..
لم يَذكروهُ إِلَّا كَما يَذْكُرُ مُعْظَمُ النَّاسِ إلهَهُم في أوقات الضِّيقِ، ثمَّ سرعانَ ما كانوا ينسونَهُ مُعْتَدِّينَ بِأَنْفُسِهِم لأنَّهُم صَمَدوا كَالماء وانتصروا كَالنَّار وَحْدَهُم، رغْمَ أَنَّ حامِلَ السَّيْفِ لَمْ يَعُدْ كما وَعَدَتْهُمُ الأساطير.
لكنْ عجيبٌ أَمْرُنا نحنُ
هَلْ كانَتْ حياتُنا كُلُّها أَزْمَة منذُ مِئاتِ السِّنين، لِذلِكَ بَقينا نَنْتَظِر عَوْدَةَ مُلوكِنا المّيِّتين؟
أَمْ أَنّ السِّرَّ كامِنٌ في أَنَّنا لم ننتصِرْ أَبَدًا منذُ غابوا؟
***
أَكُلَّما ازْدادَ عددُ الأبطال
زادتِ الهَزائِم؟
وَكُلَّما ازْدادَتِ الهَزائِم
زادَتِ النَّياشينُ وَالأَوْسِمَة؟
***
آهٍ يا وَطَني الكَبير
المُقَسَّمَ مثلَ كَعْكَةِ عيدِ ميلادِ طفل
على طاولَةِ الأجانِب..
أنا الوَحيدُ الَّذي أُغَنِّي لك أَنتَ يا وطني:
Happy birthday to you
فلا تخذلْني!