الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

ألعراقيب / سامر خير


(إِلى أيمن عودة)





في العَراقيبِ

مَنْ في العَراقيبِ.. هُمْ آخِرُ العابِرينَ

مِنَ البَدْوِ – بَعْدَ اليَهودِ القدامَى..

وَلكِنَّ لِلدَّهْرِ حِنْكَتَهُ

فَلِمَنْ عَبَروا قَبْلَ أَلْفٍ وَأَلْفٍ وَأَلْفَيْ سَنَهْ

زَمَنٌ حاضِرٌ. ولِمَنْ عَبَروا قَبْلَ ثانِيَتَيْنِ خِيامْ

وَالخِيامُ مُخالفَةٌ لِلْقَوانينِ أَيْضًا

فَلَمْ يَبْقَ إِلّا الرِّمالُ مَصاطِبَ

وَاللَّيْلُ سَقْفًا

يُغَطِّي النِّساءَ وَأَطْفالَهُنَّ..

وَلكِنَّ لِلدَّهْرِ حِنْكَتَهُ

فَعَلى الصُّبْحِ تَخْرُجُ عَنْقاءُ

مِن بَيْنِ جَمْرِ الرُّكامْ

مِنْ جَديدٍ

كَأَنَّ البُيوتَ الَّتي هُدِّمَتْ

لَمْ تَكُنْ في العَشِيَّةِ

كَوْمَ رَمادٍ

وَظِلَّ ظَلامْ



إنَّها قِصَّةٌ تَحْدُثُ الآنَ فَوْقَ رِمالِ النَّقَبْ

لا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أَساطيرِ فينيقَ

أَوْ سِندِبادَ وَعَنْقائِهِ..

قِصَّةٌ مِثْلُ غَسْلِ الوُجوهِ صَباحًا

حَقيقِيَّةٌ. مِثْلُ حَرْقِ الحَطَبْ

في وُجاقاتِكُمْ في لَيالي الشِّتاءِ

حَقيقِيَّةٌ. مِثْلُ عِقْدِ ذَهَبْ

لِلْعَريسِ يُعَلِّقُهُ فَوْقَ صَدْرِ عَروسَتِهِ في الرَّبيعِ

حَقيقِيَّةٌ. وَحَقيقِيَّةٌ كَالكَذِبْ

في زَمانِ العَجَبْ



وَالعَراقيبُ جَمْعٌ لِعَرْقوبَ صاحِبِ عَرْشِ الكَذِبْ

رُغْمَ أَنَّ أَهالي العَراقيبِ لَمْ يخلفوا وَعْدَ حُرٍّ. وَلَكِنَّهُمْ خُدِعوا مِن أُلوفِ العَراقيبِ، مِنْ طيبَةِ القَلْبِ في رَمْلِهِم وَحَفاوَتِهِم بالغَريبِ إِذا ضافَهُمْ يَفْرِشونَ لَهُ غَيْمَهُمْ، يَذْبَحونَ لَهُ يَوْمَهُم، وَيَصُبُّونَ قَهْوَةَ أنْفاسِهِمْ مُرَّةً كَالسَّعادَةِ قَبْلَ الطَّعامِ وَبَعْدَ الطَّعامِ. فَيَبْتَسِمُ اللَّيْثُ، تَبْرُزُ أَنْيابُ جَرّافَةٍ بَيْنَ فَكَّيْهِ، يَفْتَرِسُ الغَيْثَ وَالزَّرْعَ، يَهْدِمُ أَمْواجَ صَحْرائِهِمْ. إنَّما الدَّهْرُ أَمْكَرُ. يَخْلفُ أَهْلُ العَراقيبِ وَعْدَ الرَّحيلِ وَيَبْنُونَ فَوْقَ الرَّمادِ اللَّهَبْ!

وَالعَراقيبُ جَمْعٌ لِعَرْقوبَ لكنَّ أَهْلَ العَراقيبِ لا يَخْلفونُ سِوى وَعْدِ طارِدِهِمْ أَنْ يُشَرِّدَهُمْ

لا يَخْلفونَ سِوى لِسَبَبْ

وَالَّذي جاءَ يَقْلَعُ نَخْلَتَهُمْ

لَمْ يَنَلْ غَيْرَ شُدْهِ العَجَبْ



.. يا أَخي قُلْ لَهُمْ

يا أخي في الكِفاحْ

إِنْ جُرِحْنا نُدافِعُ عَنْ دَمِنا

بِالجِراحْ

إنْ سُجِنَّا

فَبِالسِّجْنِ دُونَ هَواءٍ

نُدافِعُ عَنْ حَقِّنا في الرِّياحْ

إِنْ قُتِلْنا

فَبِالْمَوْتِ مِثْلَ الطُّيورِ

نُدافِعُ عَنَ حَقِّنا في الحَياةِ

بِأَلْفِ جَناحْ

فَهُنا قَدْ وُلِدْنا

وَهُنا سَوْفَ نَبْقى

وَهُنا صامِدونَ

وَلا مُسْتَراحْ

يَفْهَمُ الرَّمْلُ هذا

وَيَعْجَزُ عَن فَهْمِهِ

عاقِلٌ ليْسَ مِنْ مَنْطِقٍ عِنْدَهُ

غَيْرَ لَغْطِ السِّلاحْ



في العَراقيبِ

أَهْلُ العَراقيبِ.. ناموا هُنا في العَراءِ

مَعَ الذِّئْبِ يُنْشِدُ لامِيَّةَ الشَّنْفَرى

ثُمَّ عادوا لِيَبْنوا مَنازِلَهُم
في الصَّباحْ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق