الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

نارٌ على ثَلْجِ الرَّماد


.. مُتَضَرِّعًا لِلهِ في مِحْرابِ مائِدَتي

بِأَنْ يُعْطِي الحِسابَ كَنادِلٍ في مطعَمٍ

لِلْمُتْخَمينَ بِمُتْعَةٍ سادِيَّةٍ

وَأَنا الطَّعامْ

خَرَجَتْ إِلَيَّ مِنَ الجِدارِ مَلاعِقٌ أُخْرى

لِتَأْكُلَني وَتَلْحَسَ مَا تَبَقَّى مِنْ عِظامْ

في صَحْنِ تابوتي المُقَعَّرِ كَالسَّفينَةِ دُونَ بَرٍّ

غَيْرَ أَنْ أَجْري وَأَخْرُجَ مِثْلَ يُونُسَ مِنْ سَراديبِ الظَّلامِ

وَأَكْسِرَ الأَطْباقَ فَوْقَ رُؤوسِهِمْ وَكُؤوسِهِمْ..

يا أَيُّهذا الحاكِمُ العَرَبِيُّ وَالعَجَمِيُّ لا فَرْقٌ لَدَيَّ

كِلاكُما حُوتٌ وَلكنْ ظُلْمُ ذي القُرْبى أَشَدُّ

عَلى جِراحي مِنْ مُقارَعَةِ الحُسامْ

وَلَقَدْ عَقَدْتُ العَزْمَ أَنْ أَلْوي يَدَ الدَّهْرِ اللَّعينِ

وَ لَوْ خَرَجْتُ مِنَ القَصيدَةِ كَوْمَةً

منْ بَعْضِ لَحْمٍ أَوْ كَلامْ

وَيَدي عَلى بَعْضي رُكامْ

وَفَمي حُطامْ

لا رَغْبَةٌ لي في زَمانٍ لَيْسَ لي فيهِ زَمانٌ

لَيْسَ لي فيهِ مَكانٌ لَيْسَ لي فيهِ احْتِرامْ

لا رَغْبَةٌ لي في مَكانٍ لَيْسَ لِي فيهِ نَدًى تَحْتَ الغَمامْ

فَلَكُمْ إِذًا أَنْ تَحْسِبُوها جَيِّدًا

أَنْ تَفْحَصُوا إِنْ ظَلَّ في مَعْمورَةِ الرَّأْسْمالِ

مَنْ يَجْثُو عَلى أَقْدامِكُمْ

كَالسَّيْفِ أَوْ كَالْخَوْفِ قَبْلَ الإِنْتِقامْ

قَبْلَ انْتِقامِ الضَّعْفِ مِنْ عُنْفِ الحِرابْ

وَلَكُمْ إِذًا أَنْ تَدْرُسُوا الوَضْعَ الجَديدَ

بِما تَبَقَّى لِلْعُيونِ العُمْيِ في صاروخِكُمْ

مِنْ يَأْسِكُمْ وَفِصامِكُمْ قَبْلَ الغِيابْ

فَأَنا كَوابيسُ الطُّغاةِ

أَنا مُبيدُ نُجومِكُمْ مِثْلَ الذُّبابْ

وَأَنا المُلَغَّمُ مِثْلَ بابْ

يُفْضي إلى سَقَرٍ لَكُمْ في وَقْتِنا

وَتُبَدِّلونَ جُلودَكُمْ فيها

إِلى ما شاءَ رَبُّ الثَّائِرينَ

أَنا العَذابُ أَنا العِقابْ

لَمْ تُبْقِ لي يا قاتِلَ الأَطْفالِ في أَرحامِهِمْ

لَمْ تُبْقِ لي غَيْرَ السَّرابْ

لَمْ تُبْقِ لي غَيْرَ الغُرابْ

لَمْ تُبْقِ لي غَيْرَ التُّرابْ

فَخُذِ السَّرابَ خُذِ الغُرابَ خُذِ التُّرابْ

وَاخْرُجْ سَليمًا ما استَطَعْتَ سَبيلَ عُنْقِكَ

قَبْلَ زِلْزالِ التَّحاشُدِ والتَّحاشُرِ وَالحِسابْ

لَنْ يَفْلِتَ القَصْرُ المُحَصَّنُ مِنْ جُيُوشِ بَراعِمي

فَانْظُرْ لِوَجْهِكَ في المرايا لا تَجِدْ إِلّا اليَبابْ

يا أَيُّهذا الحاكِمُ العَرَبِيُّ وَالعَجَمِيُّ لا فَرْقٌ لَدَيَّ

كِلاكُما حُوتٌ.. وَمِنْ رَمْلٍ خَرَجْتُ

وَها أَنا أَمْضِي إلى مُدُنِ الضَّبابْ

لا أَرْضَ لي لا قَوْمَ لي لا جِنْسَ لي لا إٍسْمَ لي

إلَّا ابْنُ آدَمَ أَرْضِيَ الأَرْضُ الكُرَيَّةُ في الفَضاءِ

وَقَوْمِيَ البَشَرُ التُّرابِيُّونَ مَجْبولونَ مِنْ ذَهَبِ السَّحابْ



.. وَأَنا أُحَدّقُ في السَّماءِ كَمِثْلِ أُمِّيٍّ

لِأَقْرَأَ ما تُسَطِّرُهُ النُّجومُ سُدًى، هَبَبْتُ

وَسِلْتُ مِثْلَ دَمٍ عَلى جِلْدِ السَّليقَةِ:

لَيْسَ لي في الدَّرْبِ إلّا ما اعْتَمَرْتُ مِنَ النِّعالْ

لا شَيْءَ يَرْبِطُني بِنَجْمٍ لَيْسَ فِيَّ وَلَسْتُ فيهِ

هُنا الوِلادَةُ والشَّهادَةُ والمَآلْ

وَهُنا البَقاءُ عَلى الفَناءِ

هُنا العَلاءُ عَلى الخَواءِ

هُنا الجَمالْ

يا أَيُّها المُتَجَبِّرونَ فَهَلْ ذَكَرْتُمْ وَعْدَ رَبِّ الشَّمْسِ لي

قَبْلَ النَّدامَةِ في المَراغَةِ.. حِينَ قَدْ يُجْدي اذِّكارْ؟

ماذا طَلَبْنا غَيْرَ صَونِ كَرامَةِ الوَرْدِ الكَريمِ مِنَ الغُبارْ؟

ماذا أَرَدْنا غَيْرَ خُبْزٍ في الصَّباحِ وَغَيْرَ خُبْزٍ

في الظَّهيرَةِ ثُمَّ خُبْزٍ في المَساءِ بِلا انْتِظارْ؟

ماذا طَلَبْنا غَيْرَ سَهْلٍ أَخْضَرٍ في روحِنا

لِنَرى الصَّحارى يانِعاتٍ كَالنُّجومِ وَكَالمَحارْ؟

ماذا أَرَدْنا دُونَكُمْ غَيْرَ الإِرادَةِ

أَنْ نَرى بِعُيونِنا شَيْئًا عَمينا عَنْهُ في عِزِّ النَّهارْ؟

ماذا أَرَدْنا غَيْرَ أَنّا الآنَ أَحْرارًا وُلِدْنا

قَبْلَ فَجْرِ الإِنْفِجارْ؟

نَحْنُ الّذينَ اسْتَعْبَدَتْهُم بَعْرَةُ التّاريخِ

واخَجَلاهُ مِنْ تاريخِنا

سيُكَذِّبُ الأحْفادُ يَوْمًا صِدْقَ ما كَتَبَ المُؤرِّخُ

عَن وَضاعَتِنا طَويلًا في انْتِظارِ الإِنْتِظارْ!

.. نَحْنُ الَّذينَ اخْتارَهُمْ رَبُّ التَّواريخِ الجَديدَةِ

شَعْبَهُ فَوْقَ السَّفينِ

سَيَفْخَرُ الأَحْفادُ في قَمَرٍ بِوَرْدَتِنا الَّتي هَزَمَتْ

جُيوشًا مِنْ خُرافاتٍ ومِنْ عَفَرٍ وَعَارْ

وَبَنَتْ عَلى صَخْرِ الجِراحِ

طَريقَنا العالي

إِلى شَجَرِ البِذارْ

فَلَنا عَلى شَطِّ الجَحيمِ

لَنا عَلى مَوْجِ الغُيومِ

لَنَا عَلى ثَلْجِ الرَّمادِ

دَمٌ وَغارْ

وَيَدٌ وَدارْ

وَغَدٌ وَنارْ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق